بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله
يقول المفكّر الجزائري الإسلامي مالك بن نبي رحمه الله أنّ ثمّة ثلاثة عوالم تحيط بالإنسان:
عالم الأشياء
عالم الأشخاص
عالم الأفكار
عالم الأشياء مرتبط بكل ما هو محسوس ملموس بالحواس من الماديات
عالم الأشخاص مرتبط بالشخص من حيث اسمُه، نسبه، عرقه، شكله، عشيرته، ماله
عالم الأفكار مرتبط بالمجرّدات من الأفكار و القيم التي لا تتأثّر بالأشياء و لا بالأشخاص بقدر ما تؤثّر فيها و يتمتّع هذا العالم بالرحابة و سعة الأفق
و هذا هو العالم الذي ينبغي على الإنسان أن يدخله فيرفع من مستواه الحضاري و الإنساني..
تصوّروا معي كتابا ضخما لكاتب كبير..
الناظر إليه من عالم الأشياء يحكم عليه من خلال حجمه و عدد صفحاته
الناظر إليه من عالم الأشخاص يحكم عليه من خلال اسم و أصل كاتبه
أمّا الناظر إليه من عالم الأفكار فلا يحكم على الورق و لا على اسم الكاتب و إنّما من خلال المضمون الفكري و الخلاصة المعرفية التي يقدّمها
و الإنسان عموما يتدرّج في دخول هذه العوالم منذ الصغر،
فيدخل أوّل ما يدخل إلى عالم الأشياء عند الولادة يتحسس ما يحيط به ابتداء من أمّه و صولا إلى ما تصل إليه يديه ثمّ ينطلق ليكتشف الأشياء من حوله
تبدأ بعد ذلك مادة الإحساس في النمو، فيدخل الإنسان عالم الأشخاص عندما يرتبط الطفل بأمّه و أبيه و إخوته فتقوى عاطفة البنوّة و الأخوّة و الأبوّة و الصداقة..
ثمّ يدخل الإنسان عالم الأفكار حين يتوغّل في مراحل تحصيل المعرفة و يكثر من تصفّح الكتب أو حضور حلقات العلم أو المشاركة في مثل هذه المنتديات الإلكترونية..
و ذلكم هو العالم الذي ينبغي لكلّ إنسان سوي أن يصل إليه بسلام..
هذا التدرّج في الانتقال من عالم إلى آخر ليس آليا و إنّما يكتسبه الإنسان بالتمرّس و التعلّم و التربية..
المؤكّد هو أنّ عالم الأفكار دائم ديمومة الإنسان عكس الأشياء و الأشخاص الذين يلاحقهما تاريخ نهاية الصلاحيّة أينما كانوا..
الأشياء تفنى و تتلاشى
الأشخاص يموتون
أمّا الأفكار فعلى العكس تتطور و تتوارثها العقول و الأفهام.
فانتقل من عالم الفناء الجسدى الى عالم البقاء الفكرى ليبقى لك بعد مماتك علم ينتفع به تحصل حسناته الى يوم الدين